عبد الرحمن الدوسري
اسم المصنف | عبد الرحمن بن محمد بن خلف بن عبد الله الدوسري |
تاريخ الوفاة | 1399 |
ترجمة المصنف |
عبدالرحمن بن محمد بن خلف بن عبد الله الدوسري ولد في البحرين سنة 1332هـ، حيث كان أبواه يقيمان فيها بعد قدومهما من الكويت، التي نزح إليها والده من بلاد القصيم بنجد، وبعد ولادته بأشهر عاد به والده إلى الكويت، حيث نشأ وترعرع في حيِّ "المرقاب" الذي كان معظم ساكنيه من أهالي نجد. وقد تلقى العلم في "المدرسة المباركية"، حيث درس الفقه والحديث والتوحيد والفرائض والنحو، ومن العجيب أنه حفظ القرآن الكريم كله في أسابيع معدودة، كما يقول عن نفسه، وتلك ولاشك ملكة في الحفظ نادرة، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، وقد مرن على الحفظ، حتى أنه كان يستظهر كل ما يعجبه من الكتب شعراً ونثراً، عن ظهر غيب وبكل يسر. ولقد سمعتُ من معالي الأخ عبدالرحمن سالم العتيقي عن حافظة الشيخ الدوسري القويَّة، أول قدومي للكويت، فلم أصدِّق أنه على هذ المستوى، حتى وقفتُ على الأمر بنفسي، ولمسته من خلال صلتي بالشيخ الدوسري وقربي منه، وعبر ما يطرحه إخواننا في الندوة الأسبوعية مساء الجمعة، من أسئلة يجيب عنها بإيراد النص بكامله من المرجع الذي يحفظ منه، بحيث لو فَتَحْتَ الكتاب وتَتَبَّعتَ جوابه، لوجدته بالنص دون تصرُّف، فسبحان الله الوهاب. لقد لازم الشيخ الدوسري كبار المشايخ مثل: الشيخ عبدالله خلف الدحيان، والشيخ صالح عبدالرحمن الدويش في الكويت، والشيخ قاسم بن مهزع في البحرين، وغيرهم من الشيوخ الآخرين، وكان شغوفاً بالعلوم، حريصاً على نشرها وتوزيع الكتب على طلبة العلم والراغبين في القراءة بالمجان، حيث يشتريها من خالص ماله الحلال، الذي يكسبه من عمله التجاري، الذي يدرُّ عليه الربح الوفير، والخير الكثير، الذي يُغنيه عن الناس، ويحفظ عزّته وكرامته. والشيخ الدوسري صريح في قول كلمة الحق، جريء في المواقف، لا يعرف التردد أو المداهنة، ولا يخضع لتهديد أو وعيد، بل يصدع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويُغلظ القول ويشدِّد النكير على الأدعياء المتاجرين بالدين، الساكتين عن الحق، الذين يُؤثرون السلامة، ويتهيَّبون من مواقف الرجولة وصلابة الدعاة. وكانت له دروس وخطب ومواعظ في معظم مساجد الكويت وطيلة أيام الأسبوع، يشرح للناس فيها، حقيقة الإسلام، وواجب المسلم نحو دينه وأمته، ويحذِّرهم من البدع والخرافات والمعاصي والمنكرات، ويدعوهم للتمسك بالكتاب والسنة، وما أجمع عليه سلف الأمة، كما يفتح أعينهم على مخططات أعداء الإسلام، ومكائدهم، ويحذِّرهم من حركات الهدم، كالشيوعية والماسونية والعلمانية والوجودية. وكان جريئاً في تصديه لطواغيت العصر وفي مقدمتهم فرعون مصر عبدالناصر، الذي سلح عليه بقصيدة طويلة كشف فيها حقيقته، وهتك من وراءه، من قوى الشرق والغرب، الذين اتخذوه أداة لحرب الإسلام ودعاته، والتمكين لليهود والمستعمرين في بلاد المسلمين. وقد انتصب لنصرة الدعاة المجاهدين الذين يعملون لمرضاة الله، ويجاهدون في سبيله لإقامة شرع الله في أرضه، وكان يضرب بهم المثل، ويناشد الأمة وشبابها وشيوخها أن يكونوا رجالاً كهؤلاء الرجال الذين ضحوا بأموالهم وأنفسهم لنصرة دين الله وإعلاء كلمته، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً، وكان يُكثر من الاستشهاد بكلام الإمام حسن البنا، وسيد قطب، وعبدالقادر عودة، وغيرهم من الشهداء. دفاعه عن سيد قطب روى لي أحد طلبة العلم، أنه كان أحد المستمعين لمحاضرة للشيخ الدوسري، ولما فرغ من المحاضرة انبرى أحد السائلين المتحذلقين معترضاً على الشيخ الدوسري في استشهاده بكلام سيد قطب، مع أنه حليق لا لحية له!! فكان جواب الشيخ الدوسري قوياً صاعقاً حيث قال: (إذا كان الشهيد سيد قطب بلا شعر في لحيته، فهو صاحب إحساس وشعور، وإيمان ويقين، وعزة وكرامة، وغيرة على الإسلام والمسلمين، قدَّم روحه فداءً لدينه، واستشهد في سبيل الله طلباً لمرضاته، وطمعاً في جنته، وقال قولته المشهورة حين ساوموه ليرجع عن موقفه: "لماذا أسترحم؟ إن سُجِنتُ بحقٍ، فأنا أرضى حُكم الحق، وإن سُجِنتُ بباطل، فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل، إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفاً يقر فيه حكم طاغية"، هذا هو سيد قطب، فأين أصحاب الشَعْر بلا شعور من مواقف الرجال) انتهى. هكذا كان الشيخ الدوسري، صادقاً مع ربه، ومع نفسه، ومع الناس، يقول الحق، ويُنصف الرجال، ويهيب بالأمة للسير في مواطن العزة والكرامة، والرفعة والسؤدد، فهذا هو طريق الدعاة إلى الله، والابتلاء هو سنة الله في عباده إلى يوم القيامة. يقول الشيخ الدوسري في كلمة سجلها بخط يده وأرسلها للأستاذ محمد المجذوب لتنشر في كتابه "علماء ومفكرون عرفتهم": (من المؤسف أن كثيراً من الناس يرى أن القوة هي الحصول على العُدَّة الضخمة من العتاد الحربي والصناعات والمنتوجات والمعادن فحسب، ولكن الحقيقة بخلاف ذلك، لأن السؤدد والقوة التي لا تُغْلب تكون بالخُلق الصالح المتين المتماسك، والدين الصحيح الخالص، الذي تتجلى فيه العبودية لله بمعانيها ومبانيها، فيعشقون الشهادة في سبيل الله، ويكون حرصهم على الموت أشدَّ من حرص أعدائهم على الحياة). وقد نظم آلاف الأبيات من الشعر في مختلف الأغراض والمقاصد ومنها العلوم الشرعية، ليسهل حفظها على طلبة العلم، فضلاً عن المواعظ والحوار والجدل والدعوة إلى الحق، وإن كان في بعضها تهاون بقواعد اللغة والعروض، ولقد كان شديداً قاسياً على الشاعرين: إيليا أبو ماضي، وبدوي الجبل. والشيخ الدوسري رجل دعوة، هَمُّه مخاطبة العقول، وإيقاظ الضمائر، وتذكير الغافلين بالعبارة الميسّرة دونما تكلف أو تقعر. وقد كان له مع إخوانه: الشيخ أحمد خميس الخلف، والحاج عبدالرزاق الصالح المطوع، والشيخ عبدالله النوري، دور كبير وجهد موفق في التصدي للقوانين الوضعية التي ينادي بها دعاة العلمانية والمستغربون من أبناء المسلمين. وكثيراً ما كان ينبري للتعليق على المحاضر والخطيب الذي يخرج عن المنهج الإسلامي ويُفنِّد أقواله، ويبطل مقولته بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة التي تجعله يتراجع عن قوله، ويعتذر عما وقع فيه من الخطأ، ويشكر للشيخ الدوسري توجيهه وإرشاده، ويعده بألا يعود لما قال بعد أن عرف الحق وأدركه. وكان من المنادين بضرورة الاهتمام بإنشاء المدارس الإسلامية، ونشر التعليم الإسلامي، والاهتمام بالإعلام الإسلامي مقروءًا ومسموعاً ومشاهداً، ونشر الوعي الصحيح والعمل الجاد المتواصل، واطراح الجبن والشح اللذين هما أصل البلاء ومجمع الشرور، وسدِّ كل الثغرات التي يمكن أن يتسلل إليها العدو في كياننا الإسلامي ومجابهة خطط الأعداء بما يقابلها من الخطط ويبطل أثرها، والعمل على اختيار العناصر الصالحة، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، لأن كل ذلك من الوسائل التي تعين على تحقيق الأهداف والنصر على الأعداء. رحلتي معه إلى المملكة ولقد سعدت برفقته في بعض الأسفار، فكان نعم الرفيق في الدرب، حيث استفدت من علمه وعمله، وكان من أمتع الرحلات وأبركها سفرنا إلى السعودية من الكويت سنة 1384هـ ـ 1964م، حيث زرنا الرياض ونزلنا بضيافة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ بضعة أيام، كانت كلها خيراً وبركة، حيث استفدنا من علم سماحة المفتي ودروسه وتوجيهاته في مجلسه، الذي يؤمه العلماء وطلبة العلم، وكان الشيخ ابن إبراهيم يُقدِّم الشيخ الدوسري للحضور، ويثني عليه، ويطلب منه المشاركة في الحوار ومناقشة المسائل العلمية المطروحة على بساط البحث، كما زرنا في الرياض سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، ومعالي وزير المعارف حسن آل الشيخ، وبعض المشايخ الآخرين، ثم سافرنا إلى الطائف حيث نزلنا بضيافة الشيخ عبدالملك آل الشيخ الذي كان قمة في دماثة الخلق والتواضع والكرم. إن الشيخ الدوسري بحرٌ من العلم لا ساحل له، فلم أر في حياتي حافظاً للنصوص مثله، ولا جريئاً في الحق كجرأته، ولا غيوراً على حرمات الدين كغيرته، ولا جسوراً على مقارعة الطغاة مثله، لقد كان فريد عصره، ووحيد دهره، ولم يعرف الكثير من الناس قدره إلا بعد وفاته، ورغم أن الله ابتلاه بالتأتأة وثقل اللسان في بعض الأحيان، غير أنه حين يقف خطيباً أو محاضراً ينطلق كالسيل المتدفق، يهدر بالعلم، وينثر الدر، ويلهب الحماس، ويستثير المشاعر، ويصدع بالحق مؤلفاته وفي التأليف له باع طويل، حيث بلغت مؤلفاته أكثر من ثلاثين مؤلفاً، نذكر منها: الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة، والجواهر البهية في نظم المسائل الفقهية (وهي اثنا عشر ألف بيت)، وإيضاع الغوامض من علم الفرائض، والجواب المفيد في الفرق بين الغناء والتجويد، وإرشاد المسلمين إلى فهم حقيقة الدين، ومعارج الوصول إلى علم الأصول، ومشكاة التنوير على شرح الكوكب المنير، وصفوة الآثار والمفاهيم في تفسير القرآن العظيم، والإنسان العامل الشريف والحيوان الناطق المخيف، والحق أحق أن يتبع، ومسلمَّ الثبوت في الرد على شلتوت، والسيف المنكي في الرد على حسين مكي.... إلخ. وشأنه في التأليف الإسهاب والإطناب غالباً، كما نلحظ ذلك في تفسيره لسورة الفاتحة، حيث استغرق تفسيرها ثلاثمائة صفحة، وكانت له دروس وأحاديث إذاعية في الرياض، والكويت، استفاد منها الكثير من المستمعين، كما كانت له جولات في الكثير من المدن العربية والجامعات والمعاهد، ألقى فيها المحاضرات، وشارك في الندوات، وقد استمر هذا شأنه وديدنه حتى بعد أن كبر سنه، وتكاثرت عليه الأمراض، حيث كان صابراً قليل الشكوى، لا يتردد في الاستجابة لإلقاء درس أو محاضرة، بل كثيراً ما يسعى بنفسه دونما حرج ليقوم بمهمة الدعوة والتبليغ لعامة الناس وخاصتهم. إن الحديث عن الشيخ الدوسري ونشاطه في الدعوة إلى الله، ومقارعته لخصوم الإسلام في الداخل والخارج لا تحيط به هذه الكلمات القليلة المختصرة، ولا تفي بحقه هذه الصفحات، ولكنه جهد المقل، وبعض الوفاء لمن تعلمت منه الكثير. يقول العلامة القرضاوي في كتابه "فتاوى معاصرة":{لقد شنَّ القرآن الكريم حملة في غاية القسوة على الحكام المتألهين في الأرض، الذين يتخذون عباد الله عباداً لهم مثل "نمرود" الطاغية الذي زعم أنه يحيي ويميت، ومثل "فرعون"، الذي نادى في قومه { أنا ربكم الأعلى}، وقال في تبجح: >> يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري << ،(القصص: 38)، وقد كشف القرآن الكريم عن تحالف دنس بين أطراف ثلاثة خبيثة: الأول: الحاكم المتأله المتجبر في بلاد الله المتسلط على عباد الله ويمثله "فرعون"، والثاني: السياسي الوصولي الذي يسخِّر ذكاءه وخبرته في خدمة الطاغية وتثبيت حكمه، وترويض شعبه للخضوع له، ويمثله "هامان"، والثالث: الرأسمالي والإقطاعي المستفيد من حكم الطاغية، فهو يؤيده ويبذل بعض ماله ليكسب أموالاً أكثر من عرق الشعب ودمه ويمثله "قارون"، ولم يقصر القرآن حملته على الطغاة المتألهين وحدهم، بل أشرك معهم أقوامهم وشعوبهم الذين اتبعوا أمرهم وساروا في ركابهم وأسلموا لهم أزمَّتهم وحمَّلهم المسؤولية معهم لأن الشعوب هي التي تصنع الفراعنة والطغاة، وأكثر من يتحمل المسؤولية مع الطغاة هم أدوات السلطة الذين يسميهم القرآن الكريم "الجنود" ويقصد بهم القوة العسكرية التي هي أنياب القوة السياسية وأظفارها، وهي السياط التي ترهب بها الجماهير إن هي تمردت أو فكرت في أن تتمرد، يقول القرآن:>> إنَّ فٌرًعّوًنّ وّهّامّانّ وّجٍنٍودّهٍمّا كّانٍوا خّاطٌئٌينّ (8) << (القصص)،>> فّأّخّذًنّاهٍ وّجٍنٍودّهٍ فّنّبّذًنّاهٍمً فٌي الًيّمٌَ فّانظٍرً كّيًفّ كّانّ عّاقٌبّةٍ الظَّالٌمٌينّ 40 << (القصص). آثاره لقد ترك الشيخ عبدالرحمن الدوسري آثاراً طيبة في الكويت والمملكة العربية السعودية، وتتلمذ على دروسه ومحاضراته خلق كثير من الناس وطلبة العلم، كما خلّف هذه الثروة الضخمة من المؤلفات القيِّمة التي تنتظر طلاب الدراسات العليا للتأمل فيها واستخراج كنوزها وتقريبها إلى متناول الناس. وقد توفي عام 1399هـ ـ 1979م، رحم الله أستاذنا الجليل وشيخنا الفاضل الشيخ عبدالرحمن الدوسري، وغفر الله لنا وله وأدخلنا الله وإياه في عباده الصالحين، وبارك الله في جهود تلامذته ومحبيه وابنه البار إبراهيم عبد الرحمن الدوسري. بواسطة العضو عبد الله الخميس |
كتب المصنف بالموقع |